من هجوم "غير مقبول" إلى "حرب"، تغير وصف تركيا للعملية العسكرية الروسية، مما يؤكد تحولا في موقف أنقرة من الأزمة الجارية، ومن ثم جاء تحذيرها للدول المطلة وغير المطلة على البحر الأسود بعدم إبحار سفن حربية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.
فقد أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده ستمنع جميع السفن الحربية من عبور المضيقين بموجب "اتفاقية مونترو"، ضمن مساعي أنقرة لتجنيب المنطقة مزيدا من التصعيد.
ومع انطلاق العملية العسكرية الروسية، ناشدت كييف أنقرة لمنع مرور السفن الحربية الروسية إلى البحر الأسود، الذي أطلقت منه موسكو هجومها على الشاطئ الجنوبي لأوكرانيا، إلا أن تركيا لم ترد بشكل حاسم آنذاك.
ويمكن لتركيا أن تحد من عبور السفن الحربية الروسية من البحر المتوسط إلى البحر الأسود عبر مضائقها بموجب اتفاقية مونترو، لكن الاتفاقية تتضمن بندا يسمح للسفن الحربية للدول المتحاربة العبور إذا كانت عائدة إلى قاعدتها الأصلية.
ما هي اتفاقية "مونترو"؟
وقعت اتفاقية "مونترو" عام 1936 في سويسرا، وهي اتفاقية منحت تركيا السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل.
وتنظم الاتفاقية حركة المرور للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب، وتضم 29 بندا وأربعة ملحقات وبروتوكولا واحدا، وقد وقعت على المعاهدة تركيا وبريطانيا وفرنسا وبلغاريا ورومانيا واليابان وأستراليا، إضافة إلى الاتحادين اليوغوسلافي والسوفيتي السابقين.
وتسمح المعاهدة للسفن الحربية التابعة لدول البحر الأسود بحرية الحركة من دون قيد أو شرط، أما السفن الحربية التابعة لدول من خارج البحر الأسود، فبموجب المعاهدة يجب أن تكون خفيفة ومساعدة بحيث لا يزيد عددها في المجموعة على 9 سفن مارة عبر المضيق في آن واحد، وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن، على ألا تزيد فترة وجودها في البحر الأسود 21 يوما.
وفي حال بقاء أي سفينة فترة أطول من هذه المدة، تتحمل الدولة التي سمحت تركيا لسفنها بالمرور، مسؤولية هذا الانتهاك لبنود المعاهدة.
وفي أوقات الحرب، يمكن لتركيا أن تمنع مرور السفن الحربية للأطراف المتحاربة من العبور، ووفقا للاتفاقية، إذا كانت طرفا في الحرب أو تعتبر نفسها مهددة بخطر وشيك.
وكانت أوكرانيا قد طلبت الخميس رسميا من تركيا إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية، حيث نقلت وكالة الأنباء الأوكرانية عن السفير الأوكراني والمفوض في تركيا فاسيل بودنار، قوله في بيان: "الأمر الأهم حاليا هو دعم أوكرانيا، وأدعو الشعب التركي والسلطات لمساعدتنا".
وأضاف بودنار: "ندعو إلى إغلاق المجال الجوي ومنع السفن الحربية الروسية من العبور في البوسفور والدردنيل، وقد تم تقديم طلب رسمي بذلك للجانب التركي"، كما دعا السفير الأوكراني لفرض عقوبات على روسيا وأصولها في تركيا، ومنع روسيا من الحصول على أموال من أجل الحرب.
وتهدف أوكرانيا من الطلب بإغلاق المضيقين محاولة منع روسيا من جلب المزيد من السفن الحربية إلى البحر الأسود، لكن في الأسابيع الماضية، جلبت موسكو بالفعل العديد من السفن الحربية عبر المضيقين إلى البحر الأسود على خلفية مناورة عسكرية في منتصف الشهر الماضي.
ماذا يعني قرار تركيا؟
وتعليقا على الخطوة التركية، قال المحلل السياسي التركي هشام جوناي، إن هذه الخطوة "تأتي ضمن إطار محاولة تركيا لتسجيل موقف، بأنها أقدمت على خطوة تناصر بها أوكرانيا، وتساير الإجراءات التي يتخذها بها حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه، ويفرض أعضاؤه عقوبات على روسيا".
وأشار جوناي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "دول حلف شمال الأطلسي تفرض عقوبات مالية، وهناك دول منعت الطائرات الروسية من العبور في أجوائها، فضلا عن مساعي إخراج موسكو من نظام سويفت، ومن هنا أتى الموقف التركي بإغلاق البسفور والدردنيل في وجه السفن الروسية".
وأوضح أن "روسيا كانت قد توقعت هذه الخطوة في إطار استعداداتها الحرب، ونقلت السفن التابعة لها من البحر الأبيض إلى البحر الأسود عبر المضائق التركية قبل بدء الحرب، حيث عبرت 6 سفن حربية روسية في 8 فبراير، ولذلك لن تؤثر هذه الخطوة بشكل مؤثر على مسار الحرب عسكريا".
ومن جانبه، قال المحلل السياسي الإيطالي دانييلي روفينيتي، إن القرار "بالتأكيد دعم لأوكرانيا التي أبرمت تركيا معها اتفاقية تعاون تمتد من الطائرات بدون طيار إلى مختلف الجوانب الإنتاجية والتجارية والاقتصادية وحتى في بعض الجوانب الاستراتيجية".
وذكر روفينيتي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "بالطبع، ليس معنى القرار أن تركيا لا تملك نفس النوع من العلاقات مع روسيا، لكن هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ربما يكون قد دفع نظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ قرار بخيار ميداني، والبقاء مع الناتو، وكذلك تأكيد مصداقية الاتفاقية حتى لا تكون هناك استثناءات".
وتابع قائلا: "روسيا تمتلك قواعد في البحر الأسود ووحدات بحرية هجومية، وعبور المضيقين أمر بالغ الأهمية للخدمات اللوجستية، قد يبدو إيقاف تشغيله أمرا مهما بدرجة كافية بالنسبة إلى الطرق الأخرى الأكثر تكلفة التي تستغرق وقتا طويلا".
ولفت إلى أن "تركيا تخشى حرية الملاحة غير المقيدة، لذلك استخدمت السلطة الممنوحة بموجب اتفاقية مونترو لمنع تصعيد الأزمة الروسية الأوكرانية".
وحول تأثيرات القرار على علاقات تركيا الخارجية، قال روفينيتي إن "كل شيء سيعتمد على رد الفعل الروسي، وهل سيعتبرها طعنة أم كما تؤكد أنقرة أنها خطوة لتجنب المزيد من التصعيد. في كل الأحوال، سيحظى القرار بتقدير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".