إعداد: دنيا عبد القادر
لا شك أنه منذ بدء انتشار فيروس كورونا في أواخر عام 2019 والعالم أُجبر على تلقي صدمات غير متوقعة، بل واُضطر أيضًا إلى تقديم تنازلات وتضحيات متمثلة في خسائر بشرية وموت أكثر من 6 مليون شخصًا فضلًا عن خسائر اقتصادية عالمية، إذ يعد القطاع الاقتصادي العالمي أحد أبرز وأهم القطاعات المتضررة، وعلى الرغم من اكتشاف اللقاحات المضادة للفيروس التاجي بمتحوراته ومحاولات الاقتصاد العالمي للتعافي ببطء شديد، إلا أنه في ظل عودة التفشي السريع للفيروس في الصين، عملاق الاقتصاد الأول والأكبر على مستوى العالم، خاصة مع إغلاق مدينة شنغهاي، أكبر مدن الصين وإحدي أهم وأبرز أقطاب الصناعة في البلاد، واتباع سياسة «صفر كوفيد» أدى كل ذلك لتأثر الاقتصاد العالمي، وجعل دول العالم تتسأل بشأن مدى تأثير تعطل سلاسل التوريد في الصين، المُصدِر الأول للمنتجات والمواد الخام في العالم.
الاقتصاد العالمي
منذ بداية انتشاره، فرض فيروس كورونا إغلاقًا واسعًا لعدد كبير من المصانع والصناعات في جميع أنحاء العالم، وشهدت فترة اشتداد الفيروس طلبًا ضعيفًا من جانب المستهلكين وانخفاضًا في النشاط الصناعي في ظل القيود.
وعلى الرغم من تزايد أعداد المطعمين ضد «كوفيد-19» وتسارع وتيرة توزيع اللقاحات المضادة، وبدء الاقتصاد العالمي في التعافي ببطء شديد من تداعيات هذا الوباء السلبية تزامنًا مع القيود المصاحبة له، إلا أن هذا التعافي سينتج عنه تداعيات سلبية جديدة، ألا وهي «تعطيل سلاسل التوريد العالمية»، وفقًا لتقرير من شبكة «سي إن بي سي».
فمع رفع الإغلاق في عدد كبير من دول العالم، زاد الطلب بشدة من جانب المستهلكين، لكن سلاسل التوريد التي تعطلت خلال فترة الجائحة أصبحت الآن تواجه تحديات ضخمة وتكافح من أجل التعافي الكامل. وهو الأمر الذي أدى إلى فوضى بالنسبة لمصنعي وموزعي السلع الذين لا يستطيعون العودة إلى مستويات الإنتاج والتوريد في فترة ما قبل الجائحة لأسباب مختلفة، بما في ذلك نقص العمال ونقص المكونات الأساسية والمواد الخام.
وسبق أن قال «جون أبراهامسون رينغ»، الرئيس التنفيذي لـ«إنتر أيكيا»، مانحة الامتياز العالمي للعلامة التجارية، في مقابلة له مع وكالة «بلومبرج»: «أصبح التحدي الأكبر هو الحصول على المنتجات من الصين، حيث أصبحت القدرة محدودة للغاية».
وتسبب النقص في حاويات النقل والموانئ المغلقة في تعقيد الخدمات اللوجستية بالنسبة لتجار التجزئة في جميع أنحاء العالم.
«شنغهاي» الوحش الاقتصادي
وفي ظل محاولات عدد من الدول التعافي من الجائحة إلا أن أكبر وأهم الدول الاقتصادية وهي الصين، ما زالت تعاني من تفشي سريع للفيروس دفعها لإغلاق أكبر وأهم مرفأ في العالم وهو مدينة «شنغهاي»، التي يقطنها عدد كبير من الشركات العالمية والمحلية، ففي تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية رأت أن الإغلاق العام في مدينة شنغهاي، سيكون له تأثير على الاقتصاد العالمي.
وأكدت الصحيفة أن هذا الإغلاق يعد أكبر الاغلاقات العامة منذ بداية وباء كورونا، وسيكون له تأثير على اقتصاد المدينة ذاتها، والصين ككل، وحتى العالم بأجمعه.
وسيكون لهذا الإغلاق بالتأكيد تداعيات اقتصادية لا سيما على سلاسل التوريد، وتداعيات على النمو الاقتصادي للصين، وهو ما سيؤثر بالتبعية على الاقتصاد العالمي.
سيوقف عمل الشحن في مدينة «شنغهاي» -أكبر مرفأ للتجارة العالمية- بنسبة كبيرة، فعلى الرغم من أن المرفأ لا يزال يعمل محليًاً وبشكل جزئي، الا أن هناك مشاكل تتعلق باللوجستيات، إذ بدأت السفن تنتظر في الطوابير لتحميل أو تفريغ شحناتها. وهذا من الممكن أن يعيق عمل المصانع التي تنتظر الشحنات القادمة من شنغهاي لتباشر عملها، حسب ما ذكرت «فايننشال تايمز».
وبالإضافة إلى ذلك أدى توقف أحد أكبر مراكز تصنيع الإلكترونيات في العالم بالقرب من شنغهاي، إلى تفاقم المخاوف الاقتصادية للصين وتفاقم تعطل سلاسل التوريد العالمية. فقد أوقف العشرات من منتجي المكونات الإلكترونية الحيوية، في 13 نيسان/أبريل الماضي، الإنتاج في مصانعهم في مدينة «كونشان» القريبة من «شنغهاي»، وقالت الشركات والمحللون إن الإغلاق بعد أن امتدد الإغلاق إلى مدينة «كونشان».
كما أعلن أكثر من 30 مصنع إلكترونيات تايواني، في يوم 13 نيسان/أبريل الماضي، إغلاق مصانع بالقرب من شنغهاي.
وكانت قد أوقفت شركة «بيتاغرون Pegatron» المُصنِّعة للإلكترونيات، التي تجمع بعض طرازات هواتف «آيفون iPhone» لشركة «آبل Apple» الإنتاج في مصنعين في «شنغهاي» و«كونشان»، يوم 12 نيسان/أبريل الماضي. وقال محللون إن الإغلاقات تنذر بتفاقم نقص المكونات.
وأكد رئيس قسم الأبحاث في CLSA، «باتريك تشين» أنه حتى لو سُمح لبعض الشركات بمواصلة الإنتاج، فقد انخفضت معدلات استخدامها إلى ما بين 40 و60 في المائة، لأن لمواد الخام لا يمكن نقلها ولا يمكن نقل المنتجات النهائية.
بالإضافة إلى كل ذلك قررت أيضًا شركة «تسلا» عملاق السيارات الكهربائية الأمريكية، وقف مصنعها في «شنغهاي»، فضلًا عن شكرة «تويوتا» و«فولكس فاجن» و«فوكسكون»، كل ذلك بسبب مخاوف من أن تتسبب عمليات إغلاق المدينة في تعطل سلاسل التوريد المهمة.
تأثر سلاسل التوريد
على الرغم من إعلان الصين بأن الموانئ مفتوحة إلا أن هذا الأمر ليس كافيًا ما دام عمال الموانئ والمصانع وسائقي الشاحنات محبوسون في منازلهم، وهو الأمر الذي يحد من قدرة المصانع على إيصال الحاويات إلى الموانئ.
كما أنه بدأت تزايد الازدحام في بعض الموانئ الصينية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار شحن الحاويات مرة أخرى، وتأتي المخاوف بشأن تجدد تعطل سلسلة التوريد في الوقت الذي بدأت فيه موانئ الساحل الغربي للولايات المتحدة في معالجة بعض الأعمال المتراكمة المتأخرة جراء الوباء، بفضل الهدوء بعد عطلة رأس السنة الصينية.
ويُقدَّر حوالي 20% من البضائع الواردة إلى بوابات الحاويات الأكثر ازدحامًاً في الولايات المتحدة من منطقة «شينزين»، وفقًاً لمتحدث باسم ميناء «لوس أنجلوس».
فقد يشبه التأثير العالمي للإغلاق المرتبط بكوفيد في الصين للحصار الذي عصف بسلاسل التوريد عندما أغلقت سفينة حاويات قناة السويس العام الماضي، وفق ما ذكرته نائبة رئيس المشتريات الدولية في شركة الشحن (كراغو ترانس (CargoTrans «ستيفاني لوميس».
وبدورها، قالت مديرة منطقة آسيا والمحيط الهادي في (سكوتيا بنك) «تولي ماكالي» أنه بالنظر إلى أن الصين مركز تصنيع عالمي رئيسي وواحدة من أهم الروابط في سلاسل التوريد العالمية، قد تكون لسياسة كوفيد في البلاد آثار غير مباشرة ملحوظة على نشاط شركائها التجاريين والاقتصاد العالمي.
كل ما سبق يعني أن إغلاق شنغهاي أدى إلى خنق سلاسل التوريد المتجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وهو الأمر الذي يؤدي مدى ارتباط الاقتصاد العالمي بالصين، التي أصبحت الدولة التي لا غنى عنها، باعتبار أن كل شيء تقريبًا مصنوع في الصين. بما في ذلك بعض أشباه الموصلات الأساسية المستخدمة في تصنيع السيارات، ما يضر بالاقتصاد الأمريكي بشكل خاص والاقتصاد العالمي بشكل عام.