دينا الشريف
فرضت القضية الفلسطينية حضورًا بارزًا في أحداث وملاعب المونديال التي تنظم لأول مرة في دولة شرق أوسطية. حيث شوهد مشجعين إما يرفعون العلم الفلسطيني أو يرتدون كوفية فلسطينية أو يرددون شعارات تضامنية مع شعب فلسطين في كل المباريات تقريبًا. ويأتي هذا في وقت أصبح فيه احتلال إسرائيل لفلسطين وعسكرة فلسطين موضوعًا ذا صلة للنقاش في المجتمع الدولي، وعلى هذا النحو، كان من المدهش رؤية موجة من الدعم القوي لفلسطين في كأس العالم.
كيف تابع الشارع في غزة مباريات كأس العالم
إن حدث كأس العالم في غزة هو حدثٌ مهم ينتظره الشعب الفلسطيني كافة وخصوصًا الشباب، حيث تَجمّع المئات من المشجعين والرياضيين الفلسطينيين في مراسم الافتتاح التي أقيمت في مدينة غزة. حيث جهّزت اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة موقعَين لمشاهدة المباريات – قاعة الشهيد سعد صايل في قلب المدينة، وصالة Absa الرياضية في مجمع رام الله – لتمكين الجمهور الفلسطيني من حضور مباريات كأس العالم عبر شاشات ضخمة داخل صالات رياضية تزينت بشعار المونديال. ويجتمع المشجعون في صالات العرض المجانية التي كانت ملجأً لعشاق الساحرة المستديرة الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتي من خلالها يعيش الشعب الفلسطيني أجواء مميزة من خلال رفع الأعلام العربية والفلسطينية وسط هتافات تشجيعية وحماسية كما لو أنهم في المباريات.
احتفال أهالي غزة وتجلي وحدة الشعوب في مونديال قطر
على الرغم من الانقسامات السياسية بين الدول العربية، فقد انطلقت احتفالات الجماهير بسعادة غامرة في أنحاء العالم العربي بعد فوز السعودية المفاجئ على الأرجنتين بكأس العالم وكذلك فوز المغرب التاريخي على بلجيكا. فقد استمتعت الجماهير من سوريا والأردن إلى غزة وقطر – مضيفة كأس العالم لهذا العام -بإنجازات الدول العربية المشاركة، وهو أحد أكبر المفاجآت في تاريخ البطولة.
وعلى الصعيد الفلسطيني؛ شعر سكان غزة بسعادة غامرة بالفوز العربي في كأس العالم، وهتف الفلسطينيون بالمغرب والسعودية وقطر في المقاهي والشوارع، وأماكن التجمعات، ورفعوا الأعلام السعودية والفلسطينية، ونشروا منشورات الانتصار على وسائل التواصل الاجتماعي، كما قام بعض الناس بتوزيع الحلويات في الشوارع.
كيف شاهد النازحون في المخيمات مباريات كاس العالم؟
مثله مثل كثير من الأحداث الاجتماعية والرياضية، يُحرم الكثير من اللاجئين في قطاع غزة المحاصرة من المشاركة في تلك الفعاليات، وفي الآوانة الأخيرة تتركز أنظار العالم إلى الحدث الأضخم وهو مونديال قطر 2022م، والذي يجمع كافة الأجناس والأعراق والأديان، من كافة بقاع الأرض، ما عدا اللاجئون الذين حرموا من السفر لمشاهدة المونديال عن كثب، واكتفوا بمشاهدتها خلف الشاشات في مخيماتهم، حيث يعتبر السفر رفاهية لا يمتلكونها.
قال اللاجئ “أحمد عميرة” وهو لاعب في فريق شباب جباليا لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "إنه من حقنا كلاعبين ولاجئين فلسطينيين ان نسافر ونشارك في كأس العالم، وخصوصًا أنه مُقام لأول مرة على أرضٍ عربية، إلا إننا لا نستطيع رؤيتها إلا من خلال الشاشات”.
فيما أفاد “سائد سرور” من مخيم الشاطئ: “أن طموحنا الوحيد هو كان السفر إلى قطر ومباشرة العروض والمباريات بشكل شخصي، ولكن الظروف التي نشهدها من الحصار الصهيوني المفروض يمنعنا من السفر إلى قطر، ويجبرنا على رؤية المباريات من خلال المقاهي أو أماكن التجمعات الخاصة”.
غزة تكتسب أول موطئ قدم لها في كأس العالم في قطر
في سابقة تاريخية، اكتسب الجيب الساحلي المحاصر أول موطئ قدم له في مونديال قطر 2022، حيث شارك وفد تطوعي محلي في تنظيم الأنشطة لهذا الحدث الدولي.
وفي وقت سابق؛ سافر حوالي 28 شخص من سكان غزة، تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا، عبر معبر رفح الحدودي إلى الدوحة في محاولة للانضمام إلى حوالي 20.000 متطوع آخر سيعملون في 45 منطقة تشغيلية. وتشمل هذه المناطق: “الملاعب، وملاعب التدريب، والمطار، ومناطق المشجعين، والفنادق، ومراكز النقل العام”.
وتم اختيار المتطوعين من غزة، قبل بضعة أشهر من قبل السلطة القطرية المشرفة على تنظيم الحدث العالمي الضخم بعد أن ملأوا طلبات عبر الإنترنت للحصول على مكان في الحدث. وبمجرد وصولهم إلى قطر، تلقوا التدريب المناسب ليكونوا وجهة مشرفة للعرب والعالم في هذا الحدث الفريد والأول من نوعه في المنطقة.
وعبّر أحمد حجازي، أحد المتطوعين من غزة عن سعادته بالمشاركة قائلاً: “بالنسبة لسكان غزة، كان مجرد المشاركة في كأس العالم مجرد حلم بعيد المنال”، مضيفًا أنه لأكثر من 15 عامًا، أجبرنا على العيش في سجن تحت الحصار الإسرائيلي غير القانوني.
وقديمًا كان أهالي غزة يشاهدون مباريات كأس العالم في الأماكن العامة مثل المقاهي، وذلك مقابل دفع الأموال، حيث أنه لم يكن بإمكان الجميع دفع اشتراك القنوات الرياضية المشفرة، نظرًا للظروف المعيشية القاسية.
مشاركة قطاع غزة مونديال قطر 2022
لم ينجح الحصار المفروض على غزة من مشاركة أهالي القطاع في مونديال قطر 2022، حيث انطلق عدد من الفعاليات الشعبية والرياضية من غزة والضفة الغربية لإظهار التضامن وتقديم الدعم المعنوي لدولة قطر والجماهير العربية المشاركة.
وكان من بين التحضيرات عدد من الفعاليات الرياضية، حيث نظمت مؤسسة “وفاء المحسنين الخيرية”، فعالية رياضية مميزة في مدينة “خان يونس” جنوب قطاع غزة، وحملت شعار “أنا فلسطيني وأدعم قطر”. فيما نظمت أكاديمية “تشامبيونز”، فعالية أخرى دلالة على الدعم الفلسطيني لقطر، عبر مسير رياضي تحت عنوان “فلسطين في المونديال” على شارع الرشيد بجانب بحر مدينة غزة.
وزينت اللجنة القطرية مبناها باللون “العنابي” وهو لون المنتخب القطري، ووضعت لافتات تحمل شعار البطولة، فيما تزينت أعمدة الإضاءة بالأعلام الفلسطينية والقطرية، وزينت السفارة القطرية بغزة جدرانها بلوحات كأس العالم 2022، وفي الوقت نفسه، أصدرت فرقة “بيت الخبرة” الفلسطينية أغاني خاصة للمنتخبات العربية التي تشارك في المونديال.
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يلحق بمونديال قطر
لطالما كان الإعلام الصهيوني يفرض نفسه وسط الفعاليات والأحداث الرياضية وغيرها، فدائمًا ما كان يُظِهر الدولة الصهيونية على إنها دولة مرحب بها في أي مكان وخاصةً الدول العربية والإسلامية، إذ انه كان يسعى باستمرار إلى إحداث اختراقات بين الصفوف العربية. إلا ان الأمر كان مختلفًا هذه المرة؛ فقد كان مونديال قطر بمثابة صفعة على وجه الصهاينة وتذكيرهم بالحقيقة المؤلمة، حيث واجهوا نفورًا قويًا وملحوظًا بين الجماهير العربية، كما إنهم لم يستطيعوا عزل القضية الفلسطينية عن المحيط العربي في هذا الحدث العالمي.
وانتشرت مشاهد عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيها تضامن الجماهير في قطر مع القضية الفلسطينية، عبر رفضهم التحدث إلى وسائل الإعلام “الإسرائيلية”. وتبادل الفلسطينيون لقطات من لقاءات للفلسطينيين والعرب يواجهون بغضب المراسلين الإسرائيليين، مطلقين عبارات مثل: “أنتم غير مرحب بكم هنا”، “أنتم قتلة الأطفال”. وصرح مراسل القناة 13 الإسرائيلية “تل شورر” بأنه تعرض للدفع والإهانة من قبل المشجعين العرب خلال تقاريره الحية من البطولة.
فكل هذا كان بمثابة دليل على أنه على الرغم من أن قطر سمحت للإسرائيليين بالسفر مباشرة إلى الدوحة وتلقي الدعم القنصلي لأول مرة في التاريخ، إلا أن الأمر كان مجرد امتثال لمتطلبات استضافة الفيفا، وأن الإمارة الإسلامية والعربية ليس لديها نية للتقرب من إسرائيل. حيث أظهرت الجماهير العربية الرفض المطلق والتأكيد على أنه لا لوجود لدولة تُدعى “إسرائيل”.
علم فلسطين يلوح في مونديال قطر 2022
“الأحلام لا يحبسها أي حصار”، هذا هو شعار الفلسطينيين في كأس العالم 2022، إذ أن لعبة كرة القدم تجعل الشعوب تتعارف، ووهب المونديال القطري الشعب الفلسطيني فسحةً واسعةً بلا حدود، حيث كان العلم الفلسطيني من بين الأعلام التي تزاحمت في كأس العالم 2022، وحظيت القضية الفلسطينية بدعم وتقدير قويين حتى الآن خلال المونديال، حيث اغتنم العديد من المشجعين الفرصة لعرض العلم خلال المباريات وفي كل مكان، ليكون بمثابة دليل على اهتمام الجمهور العربي بالقضية الفلسطينية في أول مونديال يُنظَّم بدولة عربية.
وتميز الفلسطينيون بوجودهم من خلال التلويح بأعلامهم من جميع الأحجام عبر المباريات وفي مختلف الأماكن. كما أبدى العرب من كافة الجنسيات الأخرى تضامنهم من خلال رفع العلم الفلسطيني في المباريات والشوارع القطرية، وأماكن التجمعات، فعلى سبيل المثال، رفُعت الجماهير التونسية علم “فلسطين الحرة” في الدقيقة 48 من مباراة تونس ضد أستراليا. وذلك من أجل إظهار الوحدة والتضامن العربيين وسط الاحتلال الإسرائيلي الوحشي المستمر للأراضي الفلسطينية.
كما جذبت الجالية الفلسطينية الكبيرة في الدوحة انتباه العالم في قطر وهي فرصة لا يحصلون عليها كثيرًا، حيث كانت البطولة بمثابة مصباح منير لزيادة الوعي بالاحتلال الإسرائيلي، وكذلك لتسليط الضوء على الثقافة والتاريخ الفلسطيني.