د عبد الرحيم جاموس يكتب : هل انت أذكى من اليهودي ..؟!

هل انت أذكى من اليهودي ..؟!
نعم ، لأن الذكاء صفة انسانية عامة ...
بقلم د.عبدالرحيم جاموس
إنه سؤال غبي ، يطرحه عليك كثير من الأغبياء، الذين يعتقدون أن الذكاء اصلا مرتبط بدين وآخر ، او بقومية واخرى ، او بشعب وآخر، إنه سؤال يكشف عن وعي عنصري هابط ومقيت ، وعن شخصية مهزوزة او مهزومة ، او مفتونةبالشخصية اليهودية ، ثم بالكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين ، لما يملكه من عناصر القوة القمعية والإرهابية .
الذكاء صفة انسانية عامة ، مصداقا لقوله تعالى ( خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )، وهنا صفة الإنسان تشمل البشر كافة منذ بدء الخليقة، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ، فلم يخص به قوم ما ، ويستثني قوم آخر ،لكن التبابين بين الأفراد ، كما بين الاقوام والمجتمعات و الدول ، لم يكن مبنيا يوما ما، على اساس من الجنس او العرق او اللون او المعتقد ، إنما هناك جملة عوامل وظروف مادية موضوعية ، تتحكم في درجة التباين بين البشر افرادا كانوا او مجموعات ، من حيث القوة والسطوة، والهيمنة والنفوذ والتفوق والذكاء ، ودرجة التعلم او التقدم ، وليس لكل ذلك أي ارتباط بالعقيدة اوبالدين الذي يعتقده الفرد او الجماعة او الدولة .
لذا فصفة الذكاء توجد لدى اليهودي ، كما هي لدى المسلم ، او المسيحي ، وغيرهم من معتقدي العقائد والديانات الأخرى.. وحتى لدى من لا عقيدة له ، لأن صفة حُسنُ الخلق و التقويم ، تجمع بين الجميع من بني البشر ، إنها الصفة الإنسانية التى تؤكد أن الإنسان اياً كان ، قد خلق في أحسن تقويم كإنسان ، أينما وجد او ولد ومهما كانت عقيدته، فالعقيدة ليست محددا من محددات الذكاء مطلقا ، حتى نقول ان اليهودي او غيره متفوقا بالذكاء على غيره لكونه فقط يهودي ، فهذة نظرية عنصرية غير علمية ومرفوضة، ولا يجوز تفسير ما جرى ويجري من إغتصاب لفلسطين على اساسها ، ويجري توظيفها لتحقيق حسابات مصلحية معينة، ولتبرير مواقف وسياسات تضليلية مخادعة حتى من اليهود أنفسهم .
إن أولئك المفتونين بسطوة الكيان الصهيوني ، وما يمتلك من عناصر البطش والقوة والإرهاب ، بل المهزومين أمامه معنويا وماديا ، قد يظنون او باتوا يعتقدون ، أن كل النجاح الذي حققه الكيان الصهيوني في إغتصاب فلسطين ، يعزى إلى ذكاء الإنسان اليهودي كونه يهودي الديانة ، وأن ماحلَّ ويَحلُ بالشعب الفلسطيني ، يعود إلى غباء الفلسطينيين وغباء قياداتهم ، وهذا فهم ابعد ما يكون عن الحقيقة العلمية الثابته ، وعن حقيقة ما حصل من احتلال واغتصاب لفلسطين و غيره .
الذكاء صفة انسانية تعزى للإنسان كونه إنسان ، تمييزا له عن بقية المخلوقات ، فقد عرض الخالق الأمانة على السموات والأرض فأبينَ أن يأخذنها ، فأخذها الإنسان ، فكان ظلوما جهولا..!
هذا الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم ، تضاف إلى صفاته ، صفة الظلم والجهل ، وهنا يتأكد النقص وافتقاد الكمال في الإنسان ، أي إنسان كان يهوديا او غير يهوديا ، ولإكتمال الفطرة الإنسانية ، التي فطر الله عليها الخلق من البشر وغيره و هي صفة التنازع والتدافع حول المنافع والمصالح ، التي يتنازع ويتدافع عليها و لأجلها البشر ، لقوله تعالى (.. لولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.. ) وهنا تتولد الحاجة البشرية للنظام وللتشريع ، لضبط هذا التدافع والتنازع والتصارع بين البشر ، كأفراد وفئات ومجتمعات ودول ، فبات القانون الداخلي مهمته ضبط التدافع بين أفراد الدولة الواحدة ، والقانون الخارجي الذي يجب أن يعنى بضبط التنازع والتدافع بين الدول ، او المجموعات البشرية .
عند تغييب القانون الداخلي تَحلُ مكانهُ الفوضى ، وتكونُ الغلبةُ إذا للأقوى ، فيأكل القوي الضعيف ، ويسود المجتمع قانون الغاب ، ويختفي فيه السلم الأهلي والمجتمعي ، وما ينطبق على الجماعة الواحدة او الدولة الواحدة ، فإنه ينطبق أيضا على مجموع الجماعات البشرية ، او مجموع الدول ، حينها يشهد العالم الحروب والنزاعات والصراعات ، وتسود فيه لغة القوة ، وشريعة الغاب بدلا من لغة الحوار والنظام والقانون والشرعية والعدالة ..
هذا ما يفسر لنا حصول كافة الحروب الظالمة ، التي وقعت عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر ، بلا أدنى استثناء ..!
إن استبعاد لغة الحوار والنظام والقانون ، وسقوط القيم الأخلاقية والإنسانية، يفسح المجال للفوضى ولشريعة الغاب أن تتحكم في واقع العلاقات بين الأفراد والجماعات وايضا بين الدول .
إن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين هو نتاج الحركة الإستعمارية الإستيطانية العنصرية الغربية ، التي إنفلتت من اي قيم قانونية او انسانية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ، والتي استهدفت الوطن العربي وغيره من مناطق العالم ، في سياق تحقيق مصالح الغرب العنصري على حساب مصالح الشعوب الأخرى ، فنشأةِ الكيان الصهيوني في فلسطين ، ليست نتاج عبقرية وذكاء الشخصية اليهودية المتميزة بل جاء نتيجة ذلك الفكر الإستعماري الغربي ، يعني العكس تماما ، فهنا يكمن مطلق الغباء في الشخصية اليهودية التي توافقت و قبلت على نفسها أن تستخدم وتستغل من قبل الحركة الإستعمارية الإحلالية والعنصرية الغربية ، وأن تكون اداتها في الهيمنة والنفوذ وخدمة مصالح قوى الإستعمار الغربي في فلسطين والوطن العربي .
إذا الحركة الصهيونية التي قدمت نفسها على أنها منقذة ليهود أوربا اصلا ، ماهي إلا وليدة هذا الفكر المادي الإستعماري العنصري ..فالإنسان اليهودي على يدِّها كان وصار واصبحَ أولى ضحايا الصهيونية والاستثمار الغربي ، واقذر ادواتها لتنفيذ مشاريعها الإستعمارية الجهنمية القذرة ، وغير القانونية والباطلة اخلاقيا وقانونيا ، فخلقت وعمقت الشرخ بين الطوائف اليهودية المنتشرة في أوروبا ومجتمعاتها الوطنية الأصلية ، ومن ثم امتد هذا الشرخ الى مختلف دول العالم ومجتمعاتها الأصلية ، وهذا ما عرَّض اليهود إلى ابشع صور الإضطهاد في دول أوروبا قاطبة ، على يد الحكومات الفاشية والنازية ، وعرضهم لجرائم حروب متعددة ومختلفة، كما عرَّضهم إلى ارهاب منظم بتخطيط وتنفيذ من تلك الدول الإستعمارية ووليدتها الحركة الصهيونية ، حتى تمكنت الدول الإستعمارية من انشاء هذا الكيان الصهيوني الإحلالي العنصري الوظيفي في فلسطين و في قلب الوطن العربي ..
إن اليهودي الذكي ، لازال يرفض الهجرة الى هذا الكيان الصنيع ، لأنه يدرك حقيقته ودوره و وظيفته ، التي ليس فيها أي مصلحة او خدمة لليهود ، إنما هي استغلال بشع ولا اخلاقي للعنصر اليهودي المضلل والمغرر به .
لقد ظن صناع و ملاك هذا المشروع الإحلالي العنصري ، بناء على خلفياتهم الثقافية العنصرية أن يكون مشروعهم هذا ناجحاً ، مثل تلك المشاريع التي اقاموها في العالم الجديد ، في الامريكيتين وأستراليا ونيوزيلاندة ، بعد أن ابادوا فيها مئات الملايين من سكانها الأصليين ، ثم جرى استيعاب من بقي من سكان تلك المناطق، وجرى انشاء دول استيطانية حديثة، تدعي الديمقراطية والعدالة ، وتتغنى بحقوق الإنسان..!
لكن الظروف التي احاطت بنشأة الكيان الصهيوني ، جاءت مختلفة جدا عن ظروف وشروط نجاح تلك النماذج الإستيطانية السالفة الذكر .
نعم لقد مرّ قرابة أربعة وسبعون عاما على نشأة الكيان الصهيوني ، لكنه لم يحقق أي درجة من درجات النجاح الحقيقي التي حققتها غيره من الدول الإستيطانية، فلا زال وسيبقى وسيستمر هاجس البقاء والأمن لهذا الكيان يطارده حتى زواله وزوال وظيفته التي وجد من أجلها ، السبب في ذلك ليس لما فيه من ظلم للشعب الفلسطيني وعدوانية ، وأن القضية الفلسطينية قضية عادلة فقط ، بل لأنه جاء ايضا في المكان الخطأ، فلسطين قلب الوطن العربي الإسلامي ومركز الكون اجمع ، وليست جزيرة عزلاء منسية في أعالي البحار ، يضاف إلى ذلك من اهم اسباب فشل المشروع الصهيوني هو إستمرار صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في وطنه لهذا المشروع ، فلم يستطيع الكيان الصهيوني إبادة الشعب الفلسطيني أو نفيه واسقاط هويته واسقاط هوية فلسطين مطلقا ، رغم كل مايملك من عناصر القوة المادية والدعم الغربي المطلق ، ورغم إجراءات القمع والبطش والتهجير التي مارسها في حق الشعب الفلسطيني ، فهاجس استمرار البقاء والأمن والوجود يلازمه ويتكرس سنة بعد اخرى... ويبقى الفلسطيني السد المنيع أمام تمدده وتوسعه ، 5
فأي ذكاء يهودي هذا الذي يتشدق به صانعوه والبعض معهم ..وأي ذكاء يضفيه على اليهودي المفتونين بالكيان او المهزومين أمامه ..؟!
ادعوهم جميعا إلى متابعة ما يكتب وينشر من قبل ساسه ومثقفين يهود من داخل و من خارج الكيان ، عن مستقبل هذا الكيان الصنيع ، وما يكتب من قبلهم عن أداء الكيان وادواته الإرهابية سواء بواسطة اجهزته العسكرية والامنية الإرهابية و عن ارهاب مستوطنيه .
إن تشدد وتطرف النخب الحاكمة والمختلفة للكيان سواء اتسمت باليمين او باليسار ، فإنها لاتنم عند أدنى صفة من صفات الذكاء ، بل تؤكد وتكرس صفة التخلف والرجعية والعنصرية، و تعبر عن العقلية الإستخدامية للشخصية اليهودية، فيما يضرها ويعرضها للخطر المستقبلي على المدى الاستراتيجي القريب .
أن أنكار الحقائق التاريخية والاجتماعية والسياسية والقانونية على الأرض الفلسطينية من قبل هذا الكيان العنصري ، تعبر عن غباء مطلق لنخبه ولمستوطنيه معا ، لذا فإن كل تأخير في تنفيذ التوصل إلى حل وسط مع الشعب الفلسطيني تحترم فيه حقوقه الوطنية كاملة ، من حق العودة اولا إلى حق الدولة وتقرير المصير ثانيا ، يسرع بلا أدنى شك من عملية انهاء وظيفته وانهياره من الداخل مباشرة ، وبالتالي يضعه في مواجهة نفس المصير الذي واجهته ووصلت إليه المشاريع الإستعمارية الإستطانية ، سواء في المغرب العربي وخاصة في الجزائر ، أو في جنوب أفريقيا، والتي قبرت والى غير رجعة .
هل يدرك قادة الكيان، وهل يدرك المستوطنون اليهود في فلسطين، سواء في مناطق الإحتلال الأولى او الثانية هذة الحقيقة ، وهل يدركوا ماذا يعني تفوق عدد الفلسطينيين اليوم وفي بدايات هذا العام 2022م على عدد مستوطنيه من اليهود في إقليم فلسطين ..؟!
طبعا لا يدركون .
هل يتخيل هذا المستوطن كان حاكما اومحكوما ، ماهي التركيبة السكانية التي ستكون على الأرض في إقليم فلسطين بعد خمسة عشرة سنة من الآن، اوبعد ثلاثين سنة، في ظل معدل التضاعف السكاني الفلسطيني ، والتناقص السكاني اليهودي لدية بسبب نضوب مصادر الهجرة ، خاصة وأن حركات التوعية المناهضة للمشروع الصهيوني والمنتشرة عبر عديد من الدول قد بدأ يظهر اثرها داخل الطوائف والنخب اليهودية في الولايات المتحدة نفسها ..وبدأت تشعر هذة الطوائف بالخزي والعار والتقزز من أفعاله وممارساته..
إذا اليهودي الذكي هو الذي رفض و يرفض الهجرة الى هذا الكيان العنصري ، بل الذي يسعى أيضا للإندماح في موطنه ومجتمعه الأصلي ، ويعمل على إنقاذ المتورطين المستوطنين فيه ، و يعمل على تشحيعهم إلى العودة إلى مواطنهم الأصلية، التي جاؤا هم او آبائهم منها ، وذلك صونا لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم واحفادهم .
ان اليهودي الذكي هو الذي بدأ يطرح السؤال الكبير متى تنتهي ( دولةاسرائيل).. كم هو العمر الافتراضي المتبقي لها.. ؟!
نعم مهما تدخلت عناصر الترميم والدعم والرفد والإنقاذ لإطالة عمر هذا الكيان اليهودي العنصري ، لن تحول دون انهياره وانفجاره من الداخل ، فلا يحتاج إلى شن حرب خارجية عليه ..!
هذا ما يؤكده العديد من مفكريه ومثقفيه..الأذكياء ، لكن الذين لاينظرون للمستقبل بعين فاحصة وعقل متنور ..يغرقون في بحرِ تطرفهم وارهابهم، واستمرار انكارهم للشعب الفلسطيني ولحقوقه ، ليسرعوا في استحضار الإنهيار غير المنظم للكيان .
بعد هذا العرض اعتقد انه تضمن الإجابة على سؤال العنوان وبشكل مفصل .. فأجيب بنعم كبيرة انني وكل فلسطيني نحن أذكى من اليهودي الذي تورط وغرر به ، وجاء ليشارك في عملية احتلال واستيطان واغتصاب فلسطين من نهرها إلى بحرها .
هنا أتوجه بالدعوة الإنسانية الصادقة ، لكل يهودي مستوطن في فلسطين سواء في منطقة الإحتلال الأولى او الثانية ، أن يسعى لإستعادة مواطنته في بلده الأصلي الذي قدم منه هو او آباؤه . وأولهم اليهود العرب ..وذلك ليضمن كلٌ منهم مستقبلاً زاهرا وآمناً لأولاده واحفاده ، حيث لن يعمر هذا الكيان اكثر من مدى العقود الثلاثة القادمة ، هذا ليس مجرد تمنيات ،بل هو قراءة واعية و موضوعية مستقبلية لجملة المتغيرات القادمة والتي تلوح في الأفق السياسي والإقتصادي والإجتماعي على مستوى العالم وعلى مستوى الإقليم ، تأخذُ بعين الإعتبار ما يحصل من جملة متغيرات دولية واقليمية من جهة ، و من تغيرات على أرض الواقع في إقليم فلسطين سواء تغيرات ديمغرافية وسياسية وكفاحية ، ستفرض النهاية الحتمية القادمة لهذا الكيان والقاضية بالتفكك والإندثار والزوال .
د. عبدالرحيم جاموس
2/1/2023 م
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

نداء الوطن