أرخت الحرب الدائرة في أوكرانيا بظلالها على الاقتصاد العالمي، وفي قلبه لبنان المثقل أصلا بالعديد من الأزمات المالية العاصفة.
ويعيش اللبنانيون كابوسا جديدا على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وهذه المرة لا يتعلق الأمر بالمحروقات فحسب، بل بالقمح والزيت وصولا إلى الأعلاف الحيوانية، التي انعكس ارتفاع أسعارها على اللحوم والدواجن ومشتقات الحليب.
ويستورد لبنان من روسيا وأوكرانيا 700 ألف طن سنويا من القمح، وتتجه الجهود اليوم لتلافي الوصول إلى مرحلة يُفقد فيها الخبز الذي يعد القوت اليومي للبنانيين.
وبحسب تصريحات نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف لإحدى الإذاعات المحلية، فإن "مخزون القمح يكفي لحوالي شهر"، لكن "لدينا بواخر في البحر نخشى توجهها إلى أماكن أخرى في حال لم يسدد مصرف لبنان ثمنها".
وناشد سيف لجنة الطوارئ المختصة بالأمن الغذائي إيجاد الأسواق البديلة، وتحويل الأموال إلى الموردين لإيصال القمح إلى لبنان.
وقالت مصادر مقربة من وزير الزراعة ، إن الأزمة الأوكرانية الروسية "ترخي بثقلها على واقع الأمن الغذائي العالمي، من جراء ارتفاع أسعار الوقود والمواد الأساسية، ولبنان كباقي دول العالم تأثر بشكل مباشر لأنه يستورد من روسيا وأوكرانيا كميات كبيرة من القمح تصل إلى 60 بالمئة مما يستهلكه السوق المحلي".
وأضافت المصادر أن الحكومة تعمل على توفير الكميات المطلوبة من القمح خلال أسبوع أو أسبوعين من الآن، لافتة إلى أن وزير الاقتصاد أكد للحكومة أنه لن تكون هناك أزمة طحين، لأن الكمية الموجودة في السوق تكفي لشهر ونصف.
لا خوف في رمضان
ويجمع المسؤولون اللنانيون على أن حاجة السوق المحلية من القمح مؤمّنة في شهر رمضان الذي يبدأ بعد نحو أسبوعين، إنما يسود الترقب فترة ما بعده.
ويؤكد نقيب مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي، أن "شهر رمضان أصبح خلفنا كقطاع تجاري، لأن بضاعته تباع قبل شهر من حلوله، لكن بالنسبة لمرحلة ما بعد رمضان لا أحد يملك جوابا. مبدئيا البدائل متوفرة والشحنات المطلوبة ستصل لذلك لا أرى أزمة إلا في حال حديث أمر خارج عن المألوف".
وكشف أن لبنان "يستورد الزيوت والقمح والحبوب من كل من أوكرانيا ومصر وتركيا وروسيا. المشكلة لم تقع لغاية اللحظة والبدائل متوفرة، إنما هي بحاجة لمزيد من الوقت كي تتم الاتفاقات وتبرم العقود".
ورأى أن "أزمة أوكرانيا عالمية وليست مرتبطة حصريا بلبنان. هناك مصادر للحصول على الزيت من البرازيل إذا لزم الأمر ومن الولايات المتحدة وكندا والصين"، مشيرا إلى أن معظم البلاد المصدرة بدأت تدخر مخزونها خوفا من تداعيات الأزمة لاحقا.
ولفت بحصلي إلى أن "العالم عموما ولبنان خصوصا في أزمة كبيرة، إلا أننا لم نصل إلى حد الكارثة التي تبرر تهافت اللبنانيين على تفريغ محتويات المحلات، من زيوت وسكر وطحين، وتخزينها بأضعاف حاجاتهم".
وتابع: "أزمة السكر مرحلية بسبب الطلب المرتفع الذي تسبب به هلع المواطنين، ولا توجد أزمة سكر عالمية. هناك شحنات من السكر ستصل خلال الأيام المقبلة من عدة مصادر، ومنها شحنات من الجزائر انطلقت قبل أن تصدر قرارا بحظر التصدير".
فوضى الأمن الغذائي
ووسط هذه التصريحات المقلقة والمتضاربة، يعيش المواطن اللبناني حالة من القلق على أمنه الغذائي في ظل غموض ينتظر البلاد بعد شهرين من الآن.
وتقول هاجر موسى، وهي ربة منزل: "قصدت السوبرماركت فلم أجد حاجتي من الزيت ولا الطحين"، مشيرة إلى "هلع يسيطر على عقول ربات البيوت والأمهات من الآتي بسبب الحرب في أوكرانيا".
ومن جانب آخر، يقول نزار كامل وهو موظف وأب لأسرة مكونة من 4 أشخاص: "لا نثق بتطمينات المسؤولين ولا المعنيين بالاستيراد، وقد أدى الخوف إلى عدم توفر السلع، واستغل التجار الفرصة لرفع الأسعار. نحن في كابوس أضيف إلى سلسلة كوابيس أصابتنا منذ أعوام".
بينما علق أحد أصحاب المخابز على المشكلة بالقول: "باتت الأولوية لتأمين الطحين لأفران الخبز، فيما تتعثر مطاعم الوجبات الخفيفة والمعجنات بالحصول على الكمية الكافية من الطحين لتسيير عملها اليومي".