بهائي راغب شراب
إنتهت إجازة مسلم بن سالم المسلم ..
وحان وقت العودة لدولة الإمارات حيث يعمل هناك .
حزم حقيبته الصغيرة ..
وتأكد من أوراقه .. وثيقة السفر المصرية للاجئين الفلسطينيين ، بطاقة الهوية ، وتصريح السفر الصهيوني ، وتذكرة السفر ..
ودع والدته وتوجه إلى معبر رفح ..
على البوابة سلم أوراقه للجندي الصهيوني الذي يقف على البوابة ، وقفل راجعا حوالي مائة متر إلى الوراء .. حيث المسافرون يجلسون في العراء تحت أشعة الشمس المتوهجة لشهر آب ، ينتظرون أن يؤذن لهم للدخول .
ثماني ساعات مرت .. قبل أن يسمع اسمه عبر الميكروفون الصغير المثبت على برج المراقبة والحراسة الصهيوني بجانب البوابة ..
تحرك بسرعة .. وركب السيارة التي تسير حسب نظام الدور ، وعند البوابة .. وقفت .. تحرك أربعة جنود صهاينة تجاه السيارة .. وأخذوا يتطلعون إلى وجوه الركاب السبعة من خلال النوافذ ..
بعد أن اطمأنوا على سلامة الوضع سمحوا لها بالمرور حتى باب صالة المغادرة ، حيث إجراءات السفر تجري فيها .
هنا بدأت إجراءات جديدة للفحص الأمني ، دخول الصالة يوجب على الفلسطيني المسافر المرور من البوابة الإلكترونية التي تكتشف الممنوعات ، والمقصود هنا أي نوع من المتفجرات .. اليهود يخشون على أنفسهم .. أرواحهم أغلى لديهم من أي شيء آخر .. ربما المال يتقدم على الحياة .. لكن يظل الاثنان معا رمزا مقدسا في حياة اليهود الغاصبين لفلسطين ..
بدأ المسافرون بالمرور إلى الصالة عبر البوابة .. قبل ذلك قام كل واحد بإزالة كل ما يتوقع أن يثير البوابة ووضعه في صندوق خاص يفحصه جندي صهيوني بعناية قبل أن يمرره إلى الناحية الداخلية من البوابة ،
.. إثارة البوابة تعرضه لإجراءات أخرى .. همجية وعنيفة جدا أحيانا .. أحد المسافرين .. أثار البوابة فأطلقت نفيرها الصارخ .. فتجمع فورا حوله عدد من الجنود مشهرين أسلحتهم تجاهه .. فتشوه .. لم يجدوا شيئا .. أشاروا له بالمرور .. ثارت البوابة مرة أخرى .. عادوا لتفتيشه .. لم يجدوا شيئا . سمحوا له بالمرور .. خمس مرات تكرر الأمر ، في المرة الأخيرة اجبروه على خلع ملابسه كاملة أمامهم .. وفتشوا جسده بعناية .. لم يجدوا شيئا .. ورغم ذلك . أطلقت البوابة صرختها المرعبة .. استدعوا مسئولهم .. بعد تبادل الكلام قليلا بينهم .. ادخلوه ولم يبالوا باحتجاج البوابة ..
تمتم أحد المسافرين .. دائما يحدث هذا لنا ... تصرخ البوابة حتى نخلع ملابسنا .. يبدوا أنهم يتعمدون ذلك .. لإذلالنا ..
أخيرا دخلوا جميعهم إلى الصالة ، جلسوا على مقاعد مخصصة للمسافرين ، موضوعة بحيث يواجهون نافذة زجاجية تجلس خلفها جندية صهيونية أمامها جهاز حاسوب تفحص من خلاله الأسماء وملامح الوجوه للمسافرين ، وتفحص الوضع الأمني لكل واحد .. سوابقه الأمنية .. وهل شارك في نشاطات وطنية أو فدائية ضدهم .. وهل هو من المطلوبين لاعتقالهم ..؟
بين حين وآخر كانت الجندية تنادي على احد الأسماء بالعربية المشوهة الأقرب للغة العدو العبرية .. من يسمع اسمه يرفع يده عاليا .. تنظر له بعناية وتقارن ملامح وجهه مع صورته المحفوظة لديها في الحاسوب ..
كانت الإجراءات تسير ببطء شديد .. ومسلم غارق في أحلامه وتخيلاته .. إنتقل إلى الإمارات حيث أصدقاءه ينتظرونه.. ، كان يستعرض وجوههم واحدا وراء واحد .. ويبتسم بهدوء .. حتى أتى إلى وجه صديقة احمد البلدي .. هنا اتسعت ابتسامته .. واتسعت .. صارت أقرب للضحكة ..الهادئة فقط بدون صوت .. ابتسامة تشير إلى هدوء بال ، وإلى راحة نفسية ، وإلى حالة سعادة مميزة يعيشها في تلك اللحظات ..
موسالام سالييييم مووسالام .. موسالام سالييييم مووسالام .. موسالام سالييييم مووسالام .. لكن أحدا لم يرد ..
إنتبه مسلم على جاره ينخزه بإصبعه ... إنها تنادي عليك .. أليس هذا اسمك .. انتفض مسلم .. ورفع يده عاليا . وكان لا يزال يبتسم .. إبتسامته الهادئة ..
نظرت الجندية بغضبٍ إلى وجهه .. دققت في تفاصيله أكثر من أي واحد آخر .. ابتسامته التي تراها على وجهة غير موجودة على الصورة .. الصورة عابسة مكفهرة .. وأمامها في الصالة وجه يبتسم بملامح هادئة طيبة سعيدة ..
بعد أكثر من ثلاث ساعات سمحوا للمسافرين بالمغادرة إلى الحافلة التي ستوصلهم إلى الجانب المصري .. وقف مسلم كالآخرين .. قبل أن يتحرك .. سمع إسمه ... موسالام سالييييم مووسالام .. انتبه للصوت .. وتوجه ناحيته .. كانت الجندية نفسها .. أشارت له بالاقتراب من النافذة .. اقترب وابتسامته على وجهه .. اقترب أكثر وأكثر حتى أصبح ملاصقا تقريبا للنافذة .. سمعها تتكلم ..
إنتي إضحاك .. موسالام ... إنت حِبي الضحييك .. . رد عليها بابتسامته .. لم يتكلم .. لا حاجة لأي كلمة تخرج منه .. الموقف يبدو حرجا .. أحس بان مكروها سيحدث له ...
روخ بيتك ما فيي سفر ... يالله روخ بيتك .. وإضحك كتييير هناك ...
صدمته المفاجأة .. لم يتوقع ذلك .. فهو يعرف نفسه .. لم يفعل شيئا ليمنع من السفر .. هكذا حدث نفسه ... لماذا ... حاول التكلم معها .. كانت قد ذهبت ..عندما رأى جنديا يقترب منه . يشده إلى الجانب الذي أتى منه ..
الوضع لا يحتمل الجدال .. استرجع ابتسامته إلى وجهه .. وهو يتخيل وجه أمه والمفاجأة التي ستصيبها عندما تراه عائدا إلى حضنها ومشى بهدوء نحو بوابة المعبر ..