هل ستنجح ثورة مهسى في اسقاط الملالية ؟

 

جيل جديد من الشباب الإيراني يتحرك بقوة وشجاعة وبوضوح للتخلص من النظام القمعي. ويستمد هذا الشباب القوة من الصدمة التي خلفتها صدمة وفاة مهسة "جينا" أميني على يد ما يسمى بشرطة الآداب وبدافع كبير من النساء اللواتي يطالبن بالمشاركة المتساوية في مجتمعهن، ويحاول المتظاهرون اليوم تحقيق ما لم يستطع أن يحققه "الإصلاحيون " على مضي عقود طويلة، ولكن ما مدى فرص نجاحه؟
المرأة الإيرانية والثورة
قد تكون احتجاجات إيران هي المرة الأولى في التاريخ التي كانت فيها النساء بمثابة الشرارة والمحرك لمحاولة الثورة المضادة. ويقول دانيال إيدلشتاين ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد وخبير الثورات ، أن "الدور الذي تلعبه المرأة الإيرانية في الوقت الحالي يبدو غير مسبوق للغاية". وقد يتشابه مع دور الفرنسيات اللواتي اقتحمن قصر فرساي لمنع الملك من الانقلاب على الجمعية الوطنية وسحق الثورة الفرنسية الوليدة، لكن احتجاجات إيران فريدة من نوعها لأنها، على حد قوله، "هذه ليست مجرد ثورة تشارك فيها النساء، إنها ثورة حول المرأة وحرية المرأة، وهذا يجعلها مميزة للغاية".
الثورة الإسلامية والمرأة
كان للمرأة الإيرانية دور بارز في قيام الثورة الإسلامية. حيث نزلت الى الشارع، على اختلاف انتماءاتها، جنبا إلى جنب مع الرجل لتطالب برحيل الشاه الإيراني، ولم يكن هناك فرق في ذلك الوقت بين المتدينات، واليساريات، وربات المنازل، والطالبات.
وعندما جاءت الثورة الإسلامية عام 1979، أطاحت بالكثير من الحقوق التي نجحت المرأة في انتزاعها بالجهد والصبر والألم على مدار عشرات السنوات.
ودعمت النساء الثورة الإيرانية على أمل الحصول على المزيد من الحرية والاستقلالية، لكن سرعان ما أدركن أن العكس هو ما يحدث على الأرض، وعلى مدار القرن الماضي، لم يكن الطريق مفروشا بالورود أمام المرأة لتحصل على المساواة والاعتراف بحقوقها، حيت خاضت المرأة الإيرانية تحديات كبيرة للواقع المعيش، لكن ما حققنه من إنجازات تحطم على صخرة العنف والقسوة.
وعلى مدار تاريخ إيران، لم يثبت ولو لمرة واحدة أن المرأة الإيرانية استسلمت. فالنساء في إيران لا زلن يمثلن مصدر إلهام لجميع نساء العالم ليثبتن بذلك أنهن سوف يبقون قوة رئيسية تدفع إلى التغيير.

النظام خائف ويخشى المباغتة
تتزايد الأدلة على أن الاحتجاجات التي تدخل أسبوعها الرابع قد بدأت تقوض النظام بشكل خطير. وفي الوقت الذي تواصل فيه القوات الحكومية قمع الناس الشوارع، خرج وزير المخابرات السابق غلام حسين محسني إجعي بتصريح لافت قائلا: "يجب أن يعلم المواطنون أو الجماعات السياسية أن لدينا أذنًا للاحتجاجات والنقد، وأننا مستعدون للحوار".
واعتبر المحللون والمتابعون للوضع في إيران أن التصريحات الأخيرة على الرغم من أنها تأتي من مسؤول سابق الا أنها تعد تلميحا لطريقة تفكير النظام من الداخل على اعتبار أن الرجل من أشد المدافعين على النظام، كما تظهر تخوفا من استمرار الاحتجاجات بعد ان ازلقت الى العنف المتبادل، حيث يخشى النظام أن تخرج الأمورعن السيطرة لدى صار لزاما اظهار نوع من الليونة اتجاه مطالب الشارع.
ونشر موقع IranWire ومقرها لندن مقالا تتحدث فيه انخفاض الروح المعنوية لقوات الأمن، الشيء الذي عمق المخاوف لدى النظام عن احتمال حصول انشقاقات قد تصل الى انهيار القوات المسلحة.
وصفت كسرة عرابي، محللة شؤون إيران في معهد التغيير العالمي، الحالة المزاجية في البلاد بأنها ثورية. "الأشخاص الذين يتحدثون معي يعتقدون أنهم في خضم ثورة ولن يتراجعوا. بطريقة أو بأخرى هذه بداية نهاية النظام: نحن لا نتحدث عن مطالب الإصلاح. الشارع يتحدث عن تغيير النظام ".
وقالت الدكتورة سنام وكيل، من مركز تشاتام هاوس للأبحاث، أنه وعلى الرغم من أن الاحتجاجات قد كشفت عن انقسام كبير في المواقف تجاه النظام الديني، الا أن القوة المطلقة والسرعة والجرأة لهذه الحركة العفوية جعلت النظام على وشك فقدان السيطرة.
دعم عالمي لنضال المرأة الإيرانية
تستمر موجة الدعم العالمي للمرأة الإيرانية التي خرجت للمطالبة بسقوط نظام الملالي احتجاجا على مقتل الشابة مهسى، وقد أشاد العديد من الشخصيات والفنانين في العالم بالدور المركزي للمرأة الإيرانية معربين عن تضامنهم مع نضال الشعب الايراني من أجل الحرية، حيث أعربت المغنية العالمية شاكيرا عن تضامنها مع الاحتجاجات المتواصلة في إيران، معلنة دعمها للمرأة الإيرانية في هذه الظروف الصعبة.
ونشرت شاكيرا صورة مهسا أميني على حسابها على "تويتر" وكتبت مغردة: "قلبي مع عائلة مهسا والنساء وفتيات المدارس الإيرانيات وكل من يناضل من أجل حرية التعبير".
كما أعربت مؤسسة "سينماتك" الفرنسية، عن دعمها لاحتجاجات إيران، خلال أمسية شهدت عرضاً لفيلم No Bears (ليس هناك دببة) للمخرج الإيراني جعفر بناهي المسجون منذ الصيف.
وقال مدير "سينماتك" المخرج كوستاجافراس، مساء الثلاثاء، قبيل عرض الفيلم إنّ "هذه الأمسية تشكل رسالة لأولئك الذين يواصلون النضال ضد نظام هدفه الوحيد هو إبقاء النساء خاضعات".
وقالت المخرجة الإيرانية سبيده فارسي التي كانت حاضرة في الأمسية "يتوافر لنا اليوم عدد كبير من المشاهد المليئة بالأمل والغضب"، منوّهةً إلى الشابة مهسا أميني . التي أدت وفاتها إلى اندلاع التظاهرات في إيران، قوبلت باستخدام القوة.
كما قصّت وزيرة الخارجية البلجيكية حجة لحبيب خصلة من شعرها، في جلسة لمجلس النواب، دعمًا منها للمرأة الإيرانية، منددة بما أسمته قمعا “لا يُطاق” للتظاهرات يُمارسه النظام الإيراني.


المهمة صعبة ولكن ليست مستحيلة
أظهرت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي استمرار الإيرانيين في الاحتجاجات المناهضة للحكومة يوم الأربعاء على الرغم من تزايد قتلى حملة القمع التي تنفذها الحكومة، فيما وصف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي المظاهرات بأنها “أعمال شغب متفرقة” خطط لها أعداء إيران.
و يرى كريم سجادبور ، المحلل في مؤسسة كارنيجي لمجلة التايم: "انهيار الجمهورية الإسلامية - رغم أنه ليس حتميًا - لم يعد مستحيلًا". "ستسير في نهاية المطاف في طريق الاتحاد السوفيتي، لكن توقيت حدوثه وما سيأتي بعد ذلك لا يمكن التنبؤ به على الإطلاق. السؤال هو ما إذا كان النظام يستطيع سحق هذه الاحتجاجات دون مزيد من تأجيجها مع الحفاظ على قواتها الأمنية سليمة. لقد نجحوا في القيام بذلك في كل انتفاضة جماهيرية حتى الآن، لكن النطاق الجغرافي وشدة هذه الاحتجاجات لم يسبق لهما مثيل ".
ويضيف سادجادبور قائلا : "قد يتم احتواء احتجاجات الشوارع بالقمع". "ولكن إذا بدأت الإضرابات الكبيرة والمستمرة بين عمال البتروكيماويات والبازار، فقد تبدأ الأمور في الانهيار بسرعة."
ومع انضمام القطاعات الصناعية المهيمنة في ايران الى الاحتجاجات وعلى رأسها مصانع النفط، يرى متابعون أنه من المحتمل أن تتخذ الاحتجاجات الآن بُعدًا من أبعاد العمل الصناعي. وفي نفس الوقت، فإن هذا يضغط اقتصاديًا على نظام الملالي. وبالنظر إلى الدور المهم الذي لعبه عمال النفط في الإطاحة بالشاه، فلن يكون من الخطأ القول إن نظام الملالي محاصر الآن بالخوف ".

 

نداء الوطن